هل هى صدفة أن يرحل معاً، وفى التوقيت نفسه، الدكاترة رواد التنوير المبدع ثروت عكاشة والفيلسوف عاطف العراقى وأستاذة علم النفس منيرة حلمى، زوجة رائد العقل المصرى د. زكى نجيب محمود؟! تخيلته قراراً إرادياً بالرحيل تزامناً مع غروب مشروع التنوير المصرى الذى يذوب ذوبان الثلج فى هجير أغسطس.

ثروت عكاشة جنرال الثقافة المصرية ونحات صرحها الضخم، عاشق الفن التشكيلى والموسيقى الكلاسيك، من جعل عيننا تسمع وأذننا ترى، وجمع بين المستحيلات فى جسد واحد، صرامة الضابط ورومانسية الفنان وجسارة الثائر وذكاء السياسى ومجاملة ورقة الدبلوماسى. ما إن تتجول ببصرك عبر دروب مصر المحروسة حتى تجد بصماته الخالدة: الثقافة الجماهيرية قبل أن يحترق أبناؤها فى فخاخها ببنى سويف،

أكاديمية الفنون قبل أن تحرم فنونها ويطارد مبدعوها، هيئة الكتاب قبل أن يصادر عمال مطابعها دواوين الشعر ويطاردوا عصافير الإبداع، المجلس الأعلى للفنون والآداب قبل أن يتحول إلى مكلمة مجلس ثقافة الأعلى. رحل عكاشة قبل أن يرى صروحه التى بناها تحترق وترجم لأنها حرام.

رحل د.عاطف العراقى، حفيد ابن رشد، قبل أن يلقى مصير ابن رشد! رحل فى زمن كنا نحتاج فيه الى عقل ابن رشد وتأويل ابن رشد وصدمة ابن رشد، ولم نكن نحتاج فيه إلى نيران الجهل التى أحرقت كتب ابن رشد. انهارت الأندلس ولم نقرأ جيداً أسباب انهيارها. نفذنا بنود الانهيار ورفضنا تنفيذ عقد البناء. رحل الفارس فى وسط طلبته وهو يحاول بمنتهى التفاؤل بذر بذور الأمل فى حقل الصبار.

د. منيره حلمى، مازلت أتذكر لقاءنا الأول والوحيد وأنا طالب فى كلية الطب أجرى حواراً لمجلة الكلية مع زوجها العملاق د. زكى نجيب محمود، كانت مثالاً للتفانى ودماثة الخلق، رضيت أن تكون فى الظل لأنها عرفت أن زوجها يتصدى لمهمة عظيمة فى تنوير هذا الوطن،

رحلت وكتب زوجها مصادرة دون قرار لتعاد طباعتها وتعتبر عورة بينما كتب الثعبان الأقرع تسجل أعلى مبيعات! رحلت قبل أن يشطب اسم زوجها من كتاب القراءة الرشيدة فى بلد فقد الرشد.